كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال إبراهيم: كان ابن مسعود يعلم هذا في الجنائز وفي المجلس، قال: وقيل له: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقف على القبر ويقول إذا فرغ منه؟ قال: نعم، كان إذا فرغ منه وقف عليه، ثم قال: «اللهم نزل بك صاحبها وخلف الدنيا وراء ظهره، ونعم المنزول به، اللهم ثبت عند المسألة منطقه ولا تبتله في قبره بما لا طاقة له به، اللهم نور له في قبره، وألحقه بنبيه صلى الله عليه وسلم، كلما ذكر».
إذا تقرر هذا فالمستحب أن يصلي عليه صلى الله عليه وسلم في الجنازة كما يصلي عليه في التشهد، لأن النبي صلى الله عليه وسلم علم ذلك أصحابه لما سألوه عن كيفية الصلاة عليه.
وفي مسائل عبد الله بن أحمد عن أبيه قال: يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويصلي على الملائكة المقربين.
قال القاضي، فيقول: اللهم صل على ملائكتك المقربين وأنبيائك والمرسلين، وأهل طاعتك أجمعين من أهل السماوات والأرضين، إنك على كل شيء قدير.
فصل: الموطن الخامس من مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في الخطب:
كخطبة الجمعة، والعيدين، والاستسقاء، وغيره.
وقد اختلف في اشتراطها لصحة الخطبة، قال الشافعي وأحمد في المشهور من مذهبهما: لا تصح الخطبة إلا بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، وقال أبو حنيفة ومالك: تصح بدونها، وهو وجه في مذهب أحمد.
واحتج لوجوبها في الخطبة، بقوله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} سورة الشرح، قال ابن عباس رضي الله عنهما: رفع الله ذكره، فلا يذكر إلا ذكر معه.
وفي هذا الدليل نظر، لأن ذكره صلى الله عليه وسلم مع ذكر ربه هو الشهادة له بالرسالة إذا شهد لمرسله بالوحدانية، وهذا هو الواجب في الخطبة قطعًا، بل هو ركنها الأعظم، وقد روى أبو داود، وأحمد، وغيرهما: من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء، واليد الجذماء: المقطوعة، فمن أوجب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة دون التشهد فقوله في غاية الضعف.
وقد روى يونس، عن شيبان، عن قتادة: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} الشرح: 4، ورفع الله ذكره في الدنيا والآخرة، فليس خطيب، ولا متشهد، ولا صاحب صلاة إلا ابتدأها: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله.
وقال عبد بن حميد: أخبرني عمرو بن عون، عن هشيم، عن جويبر، عن الضحاك: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} الشرح: 4، قال: إذا ذكرتُ ذكرتَ معي ولا يجوز خطبة ولا نكاح إلا بذكرك.
وقال عبد الرزاق: عن ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} الشرح: 4، قال: لا أذكر إلا ذكرت معي: الأذان، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله.
فهذا هو المراد من الآية، وكيف لا يجب التشهد الذي هو عقد الإسلام في الخطبة، وهو أفضل كلماتها وتجب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيها.
والدليل على مشروعية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة ما رواه عبد الله بن أحمد: حدثنا أبي، حدثنا منصور بن أبي مزاحم، حدثنا خالد، حدثني عون بن أبي حجيفة، كان أبي من شرط علي، وكان تحت المنبر، فحدثني: أنه صعد المنبر يعني عليًا رضي الله عنه فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم وقال: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، والثاني عمر وقال: يجعل الله الخير حيث شاء.
وقال محمد بن الحسن بن جعفر الأسدي: حدثنا أبو الحسن علي ابن محمد الحميري، حدثنا عبد الله بن سعيد الكندي، حدثنا حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي، قال: سمعت أبي يذكر، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله، أنه كان يقول بعدما يفرغ من خطبة الصلاة ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، أولئك هم الراشدون، اللهم بارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وأزواجنا وقلوبنا وذرياتنا.
وروى الدارقطني: من طريق ابن لهيعة، عن الأسود بن مالك الحضرمي، عن يحيى بن ذاخر المعافري، قال:ركبت أنا ووالدي إلى صلاة الجمعة. فذكر حديثًا، وفيه: فقام عمرو بن العاص على المنبر فحمد الله وأثنى عليه حمدًا موجزًا، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، ووعظ الناس فأمرهم ونهاهم.
وفي الباب حديث ضبة بن محصن، أن أبا موسى كان إذا خطب فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم دعا لعمر، فأنكر عليه ضبة الدعاء لعمر قبل الدعاء لأبي بكر رضي الله عنهما، فرقع ذلك إلى عمر رضي الله عنه فقال لضبة: أنت أوفق منه وأرشد.
فهذا دليل على أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الخطب كان أمرًا مشهورًا معروفًا عند الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
وأما وجوبها فيعتمد دليلًا يجب المصير إليه وإلى مثله.
فصل: الموطن السادس من مواطن الصلاة عليه السلام:
بعد إجابة المؤذن وعند الإقامة.
لما روى مسلم في صحيحه: من حديث عبد الله بن عمرو، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرًا، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله تعالى، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل الله لي الوسيلة حلت عليه شفاعتي».
وقال الحسن بن عرفة: حدثني محمد بن يزيد الواسطي، عن العوام ابن حوشب، حدثنا منصور بن زاذان، عن الحسن، قال: إن قال مثل ما يقول المؤذن فإذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة، قال: اللهم رب هذه الدعوة الصادقة والصلاة القائمة، صل على محمد عبدك ورسولك، وأبلغه درجة الوسيلة في الجنة، دخل في شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم.
وقال يوسف بن أسباط: بلغني أن الرجل إذا أقيمت الصلاة فلم يقل: اللهم رب هذه الدعوة المستمعة المستجاب لها، صل على محمد وعلى آل محمد وزوجنا من الحور العين. قلن الحور العين: ما أزهدك فينا.
وفي إجابة المؤذن خمس سنن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد اشتمل حديث عبد الله بن عمرو على ثلاثة منها:
والرابعة: أن يقول ما رواه مسلم: عن سعد بن أبي وقاص، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «من قال حين يسمع المؤذن أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، رضيت بالله ربًا، وبمحمد رسولًا، وبالإسلام دينًا، غفر له ذنبه».
والخامسة: أن يدعو الله بعد إجابة المؤذن وصلاته على رسوله، وسؤاله له الوسيلة، لما في سنن أبي داود، والنسائي، من حديث عبد الله بن عمرو، أن رجلًا قال: يا رسول الله، إن المؤذنين يفضلوننا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قل كما يقولون، فإذا انتهيت فسل تعطه».
وفي المسند: من حديث جابر بن عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قال حين ينادي المنادي: اللهم رب هذه الدعوة القائمة والصلاة النافعة، صل على محمد وارض عنه رضى لا سخط بعده، استجاب الله له دعوته».
وفي المستدرك للحاكم: من حديث أبي أمامة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع الأذان قال: «اللهم رب هذه الدعوة الصادقة المستجابة المستجاب لها، دعوة الحق، وكلمة التقوى، توفني عليها، وأحيني عليها واجعلني من صالح أهلها عملًا يوم القيامة».
فهذه خمسة وعشرون سنة في اليوم والليلة لا يحافظ عليها إلا السابقون.
فصل: الموطن السابع من مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم:
عند الدعاء.
وله ثلاث مراتب:
إحداها: أن يصلي عليه قبل الدعاء وبعد حمد الله تعالى.
والمرتبة الثانية: أن يصلي عليه في أول الدعاء وأوسطه وآخره.
والثالثة: أن يصلي عليه في أوله وآخره، ويجعل حاجته متوسطة بينهما.
فأما المرتبة الأولى: فالدليل عليها حديث فضالة بن عبيد، وقول النبي صلى الله عليه وسلم فيه: إذا دعا أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه، ثم ليصل على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ليدع بعد بما شاء وقد تقدم.
وقال الترمذي: حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله، قال: كنت أصلي والنبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر معه، فلما جلست بدأت بالثناء على الله، ثم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم دعوت لنفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم سل تعطه.
وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: إذا أراد أحدكم أن يسأل الله فليبدأ بحمده والثناء عليه بما هو أهله، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يسأل بعد، فإنه أجدر أن ينجح أو يصيب.
ورواه شريك: عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله، نحوه.
وأما المرتبة الثالثة: فقال عبد الرزاق: عن الثوري، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تجعلوني كقدح الراكب» فذكر الحديث وقال اجعلوني في وسط الدعاء وفي أوله وفي آخره.
وقد تقدم حديث علي: ما من دعاء إلا بينه وبين الله حجاب حتى يصلى على محمد صلى الله عليه وسلم، فإذا صلي على النبي صلى الله عليه وسلم انخرق الحجاب، واستجيب الدعاء، وإذا لم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم لم يستجب الدعاء.
وتقدم قول عمر رضي الله عنه: الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك صلى الله عليه وسلم.
وقال أحمد بن علي بن شعيب: حدثنا محمد بن حفص، حدثنا الجراح بن يحيى، حدثني عمرو بن عمرو، قال: سمعت عبد الله بن بشر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الدعاء كله محجوب حتى يكون أوله ثناء على الله عز وجل، وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو يستجاب لدعائه».
وعمرو بن عمرو هذا هو الأحموشي له عن عبد الله بن بسر حديثان، هذا أحدهما، والأخر رواه الطبراني في معجمه الكبير عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم من استفتح أول نهاره بخير وختمه بالخير، قال الله عز وجل لملائكته: لا تكتبوا عليه ما بين ذلك من الذنوب والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم للدعاء مثل الفاتحة من الصلاة.
وهذه المواطن التي تقدمت كلها شرعت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيها أما الدعاء، فمفتاح الدعاء الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، كما أن مفتاح الصلاة الطهور، فصلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا.
وقال أحمد بن أبي الحواري: سمعت أبا سليمان الداراني يقول: من أراد أن يسأل الله حاجته فليبدأ بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وليسأل حاجته، وليختم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مقبولة، والله أكرم أن يرد ما بينهما.
فصل: الموطن الثامن من مواطن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم:
عند دخول المسجد وعند الخروج منه:
لما روى ابن خزيمة في صحيحه، وأبو حاتم بن حبان: عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، وليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وليقل: اللهم أجرني من الشيطان الرجيم».
وفي المسند والترمذي، وسنن ابن ماجه: من حديث فاطمة بنت الحسين، عن جدتها فاطمة الكبرى، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد قال: اللهم صل على محمد وسلم، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج قال مثلها، إلا أنه يقول: أبواب فضلك، ولفظ الترمذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد صلى على محمد وسلم. وقد تقدم الكلام على هذا الحديث.
فصل: الموطن التاسع من مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم:
على الصفا والمروة:
لما روى إسماعيل بن إسحاق في كتابه: حدثنا هدبة، حدثنا همام بن يحيى، حدثنا نافع، أن عمر رضي الله عنهما كان يكبر على الصفا ثلاثا، يقول: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو ويطيل القيام والدعاء، ثم يفعل على المروة مثل ذلك». وهذا من توابع الدعاء أيضا.وروى جعفر بن عون، عن زكريا، عن الشعبي، عن وهب بن الأجدع، قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخطب الناس بمكة يقول: إذا قدم الرجل منكم حاجا فليطف بالبيت سبعا، وليصل عند المقام ركعتين، ثم يستلم الحجر الأسود، ثم يبدأ بالصفا، فيقوم عليها ويستقبل البيت فيكبر سبع تكبيرات بين كل تكبيرتين حمد الله عز وجل وثناء عليه عز وجل، وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ومسألة لنفسه، وعلى مروة مثل ذلك رواه أبو ذر: عن زاهد، عن محمد بن المسيب، عن عبد الله بن خبيق، عن جعفر، ورواه البزار عن عبد الله بن سليمان، عن عبد الله بن محمد بن المسور، عن سفيان، عن مسعر، عن فراس، عن الشعبي، عن وهب، به.
فصل: الموطن العاشر من مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم:
عند اجتماع القوم قبل تفرقهم:
وقد تقدمت الأحاديث بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه، أنه قال: ما جلس قوم مجلسا ثم تفرقوا ولم يذكروا الله ولم يصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم إن عليهم من الله تره، إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم. رواه ابن حيان في صحيحه والحاكم، وغيرهما.
وقد روى عبد الله بن إدريس الأودي، عن هشام بن عروة، عن أبيه،عن عائشة رضي الله عنها، قالت زينوا مجالسكم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
ويذكر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
فصل: الموطن الحادي عشر من مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم:
عند ذكره صلى الله عليه وسلم:
وقد اختلف في وجوبها كلما ذكر اسمه صلى الله عليه وسلم، فقال أبو جعفر الطحاوي، وأبو عبيد الله الحليمي: تجب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم كلما ذكر اسمه وقال غيرهما إن ذلك مستحب، وليس بفرض يأثم تاركه.